الأسلحة البيولوجية : هي الاستخدام المتعمد للأحياء الدقيقة والنباتات والحيوانات المجهرية والسموم لنشر الأوبئة والأمراض والموت بين البشر والمواشي والمحاصيل. ويعزى للأسلحة البيولوجية الهجمات المرعبة ذات سرعة الانتشار على نطاق واسع، وتمتاز بكلفة إنتاج أقل من مثيلاتها الأخرى، وضعف الإمكانيات لكشفها بالأنظمة الدفاعية الروتينية، وسهولة نقلها من مكان إلى آخر.
ازداد الوعي العام بالخطر الكامن حول استخدام الاسلحة البيولوجية عسكرياً وعدائياً، خصوصاً في السنوات الأخيرة الماضية، وذلك بعد استخدامها لأغراض إرهابية كهجمة جماعة أوم شنريكيو في اليابان بتاريخ 20 آذار/مارس 1995، وذلك بإطلاق غاز السارين على خمسة قطارات أنفاق، مما أدى إلى وفاة ١٢ شخص وإصابة ألف شخص تقريباً، حيث قام المدعو اساهارا شوكو، بشن الهجوم بغية الإطاحة بالحكومة اليابانية وتنصيب نفسه ملكاً بعدها.
إلقاء القبض على زعيم جماعة أوم شنريكيو |
وهذه الجماعة الدينية اليابانية التي يعني اسمها ’ديانة الحقيقة الكونية‘ تحتوي على مفاهيم من اليوغا والأبراج الصينية والطاوية والبوذية الهندية، وكانت قد تأسست منذ سنة 1984 في طوكيو على يد اساهارا شوكو نفسه، ويرجع مخططه لاستعمال الأسلحة البيولوجية إلى سنة 1990.
وتعد هجمة الجمرة الخبيثة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، مؤشراً إضافياً للخطورة، حيث تم تسجيل 22 حالة إصابة بالجمرة الخبيثة بين تاريخي 04/10/2021 و20/11/2021 على أثر إرسال رسائل ومغلفات معنونة إلى المؤسسات الإعلامية الأمريكية في فلوريدا مثل CBS news، وNBC news، وNew York post في نيويورك، وإلى ممثلين سياسيين في واشنطن، وقد أصيب الاشخاص عن طريق الاستنشاق أي عبر الجهاز التنفسي. ووفقاً للمؤتمر الأمريكي السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن جميع الحالات كانت قابلة للعلاج الحيوي، لأن الجرثومات لم تكن معدلة وراثياً لتزيد مقاومتها للمضادات الحيوية.
وأحد أمثلة الدول التي تعاملت أو تتعامل مع الأسلحة البيولوجية لأغراض سلمية وتكنولوجية وعسكرية أو لأغراض عدائية، هي اليابان. ففي الفترة ما بين الحربين العالميتين، حيث تم تأسيس الوحدة 731 التي قد تأسست في سنة 1932، من قبل الجنرال شيرو إيشي،
وهو ضابط طبيب رفيع المستوى في الجيش الياباني. وهي وحدة أبحاث وتطوير أسلحة بيولوجية وكيميائية سرية في جيش اليابان الإمبراطوري، أجرت هذه الوحدة تجارب أسلحة بيولوجية على البشر في الحرب اليابانية الصينية والحرب العالمية الثانية، مما تسبب في مقتل أكثر من 10 آلاف من أسرى الحرب الصينيين، وأسرى من شبه الجزيرة الكورية ومنغوليا والاتحاد السوفياتي.
وارتبطت هذه الأسلحة أيضاً بجزء مما عرف ببرنامج أسلحة الدمار الشامل. وقد اتهمت أمريكا النظام العراقي البعثي السابق بامتلاكها، وقيل أن جزءاً من هذا البرنامج كان الأسلحة البيولوجية. ومن الدول التي امتلكتها وتمتلكها أمريكا وكندا وجنوب أفريقيا والاتحاد السوفيتي سابقاً وروسيا حالياً وروديسيا سابقاً (زمبابوي).
أشهر حوادث الأسلحة البيولوجية عبر التاريخ
من أشهر وأبرز حوادث الأسلحة البيولوجية عبر التاريخ، يمكن تلخيصها من الأقدم إلى الأحدث كما يلي:
1. بحدود الألف قبل الميلاد، تم استعمال نشّاب مسمومة من قبل رماة الأسكيثيين (وهم شعب بدوي أوروبي شرقي)، وقد ذُكرت هذه الحادثة في معركة طروادة، وكانت الأعراض الناتجة هي الغنغرينا والكزاز التي تسببها بكتيريا الكلوستريديوم.
2. بحدود 500 قبل الميلاد، قام الآشوريون بتسميم آبار الأعداء، وقد استعملوا لهذا الغرض فطر الإرغوت الطفيلي، والذي يسبب الهلوسة.
3. بحدود العام 590 قبل الميلاد، قامت اليونان بتسميم مصادر المياه لمدينة كيرا أثناء الحرب عليها، وقد استعملوا جذور نبات الخربق، ونتيجة لذلك أُصيب أعداؤهم بالإسهال.
4. بحدود العام 184 قبل الميلاد، قذف البيثينيون بالمنجنيق جراراً مملوءة بالأفاعي السامة تجاه سفن الأعداء، وكانت هذه الخطة بنصيحة من القائد القرطاجي هانيبال، وسببت الأفاعي الذعر للجنود كونهم في سفن وسط البحر.
5. في العام 1155، قام الإمبراطور فريدريك الأول بربروسا -الإمبراطور الروماني المقدس الألماني الأصل- بتسميم آبار المياه عند محاربة الأعداء.
6. في العام 1346، قذف التتار جثث ضحايا الطاعون بالمنجنيق تجاه مدينة كافا (تعرف حالياً فيودوسيا)، التي تقع في شبه جزيرة القرم، وكانت الجثث تحتوي على بكتيريا اليرسينيا التي سببت الطاعون. وتحولت بعدها تلك المدينة إلى مدينة مهجورة.
7. في العام 1495 ، باع الأسبان للأعداء خمراً مخلوطاً بدم المصابين بمرض الجذام.
8. في عام 1763 ، وزع البريطانيون أغطية نوم لمرضى مصابين بالجدري لسكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر). كانت النتيجة انتشار فيروس فايولا المسبب للجدري، مما خلف وباءً موقعاً خلفه ضحايا كُثر.
9. في عام 1797 ، غمر نابليون بالمياه أراضي مدينة مانتوفا (تقع في شمال إيطاليا حالياً)، ونشر الملاريا فيها.
10. خلال الحرب العالمية الأولى وخصوصاً بين سنتي 1915 – 1918 ، نشر الألمان مرض الجمرة الخبيثة، ومرض الرعام (داء الخيل) بين مواشي خصومهم من الحلفاء.
11. بين سنتي 1932 – 1945 ، استعمل اليابانيون مختلف الأسلحة البيولوجية على الصين، وكانت النتيجة موت وتشويه عدد كبير.
بسبب هذه الأضرار المرعبة، تم التباحث سياسياً ودولياً، للحظر من النشاط البيولوجي الخطير ليس فقط على مدينة معينة أو وطن معين، بل على البشر جميعاً. لذلك بادرت الدول لعقد المؤتمرات من أجل نزع برامج أسلحة الدمار الشامل على مختلف أنواعها، وكان أهم إعلانين دوليين يخصان حظر الاسلحة البيولوجية: إعلان بروكسل 1874 ، واعلان لاهاي 1899 .
أهم اتفاقيات حظر الاسلحة البيولوجية والكيماوية
وفيما يلي استعراض لأهم و أبرز الاتفاقيات بخصوص حظر الاسلحة والأنشطة البيولوجية والكيماوية:
1. اتفاقية عام 1899 في لاهاي – هولندا: التي دخلت حيّز التنفيذ في العام 1900، قضت بمنع السموم والأسلحة السامة، وقد أُسست على إعلان عالمي سابق في بروكسل في العام 1874.
2. اتفاقية عام 1907 في لاهاي – هولندا: وقد دخلت حيّز التنفيذ في العام 1910، وغطت هذه الاتفاقية تفاصيل أكثر دقة لتشمل المحاربين وسجناء الحرب والمصابين من العدو.
3. اتفاقية عام 1925 في جنيف – سويسرا: والتي نصت على منع الغازات السامة والخانقة وذات الاستخدامات البكتيرية. وقد دخلت حيّز التنفيذ عام 1928.
4. اتفاقية عام 1972 في جنيف سويسرا: والتي قضت بمنع تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتيرية والسامة. دخلت هذه المعاهدة حيّز التنفيذ في عام 1975 . وشملت الاتفاقية أيضاً منع استخدام المواد البيولوجية لأغراض سلمية أو دفاعية، وتطوير العلمية الكشفية في مجال علم الأحياء لمنع انتشار الأوبئة.
5. اتفاقية عام 1974 في باريس – فرنسا: والتي نصت على منع تلويث البحر من المصادر الأرضيّة. عُدلت هذه الاتفاقية في العام 1986 لتشمل منع تلويث البحر بمناطق مصبات الأنهار، من خلال تدفق المواد ذات الآثار المؤذية والخطيرة لصحة الإنسان والنظام البيئي البحري والأحياء البحرية.
6. اتفاقية عام 1976 في جنيف – الأمم المتحدة: تم تبنيها بالقرار 31/72 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1976. وغطت حظر الأعمال العسكرية والعدائية المضرة بالبيئة.
7. اتفاقية عام 1981 في ابيدجان – ساحل العاج: وغطت التعاون والتطوير من أجل البيئة البحرية والشاطئية لمناطق وسط وغرب أفريقيا. دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في العام 1984.
8. اتفاقية عام 1983 في بون – ألمانيا: ونصت على التعاون للتعامل والحد من التلوث في بحر الشمال جرّاء النفط والمواد المؤذية الأخرى، و تطوير التعاون المشترك للسيطرة على التلوث البحري.
9. اتفاقية عام 1989 في بازل – سويسرا: والتي نصت على التحكم بالمخلفات وأماكن تصريفها، تغطي هذه الاتفاقية التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1992 أنواعاً من المخلفات الخطيرة الناتجة عن المخلفات الطبية والسكنية والإشعاعية السامة الناتجة عن الصناعات الكيميائية والطبية الإحيائية.
10. اتفاقية عام 1991 في بامكو – مالي: غطت هذه الاتفاقية منع حركة استيراد المواد الخطيرة، والسيطرة على حدود أفريقيا.
11. اتفاقية عام 1992 في بوخارست – رومانيا: غطت حماية البحر الأسود من التلوث.
12. اتفاقية عام 1993 في جنيف – سويسرا: غطت منع إنتاج وتخزين ونقل الأسلحة الكيمياوية. دخلت حيّز التنفيذ في العام 1997.
الفرق بين الأسلحة الكيماوية والأسلحة البيولوجية:
تعد الأسلحة الكيمياوية والأسلحة البيولوجية نوعين من أنواع أسلحة الدمار الشامل. وللتفريق بينهما يمكن استعراض الفروقات والصفات التالية:
1. تكون الأسلحة الكيمياوية منتجة صناعياً وذات رائحة، بينما تكون الأسلحة البيولوجية مكونةً من مواد طبيعية عديمة الرائحة غالباً.
2. للوقاية من التعرض للأسلحة الكيمياوية يمكن ارتداء الأقنعة الواقية والملابس الواقية من المواد الكيمياوية. في المقابل يمكن لبس ملابس وقائية طبية، وأخذ اللقاحات والأمصال والمضادات البكتيرية، للوقاية من الهجمة البيولوجية.
3. ينتقل السلاح الكيماوي بالاستنشاق والامتصاص عبر الجلد، أما البيولوجي فينتشر عبر الاستنشاق والطعام. ويُطلق كلاهما عبر القنابل العنقودية ورؤوس الصواريخ، وينتشران بالرذاذ الهوائي.
4. آثار الأسلحة الكيماوية إما فورية أو بعد ساعات قليلة. ومن أعراضها: الحساسية وضيق التنفس وتهيج شديد للغشاء المخاطي، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الموت حسب الجرعة. أما آثار الاسلحة البيولوجية فهي العجز أو الموت.
5. صناعة الأسلحة الكيمياوية معقدة وغالية الثمن، تتطلب تكنولوجيا دقيقة ومتقدمة. أما صناعة الأسلحة البيولوجية رخيصة، وتتطلب معرفة بسيطة بالهندسة الجينية والزراعة والطب.
6. يمكن الكشف عن الأسلحة الكيمياوية من رائحتها أو بال X-Ray أو بطرق الحماية الاعتيادية، بينما لا يمكن كشف الأسلحة البيولوجية بسهولة بطرق الحماية الاعتيادية أو بالـX-Ray.
المصادر:
الحرب والارهاب والدفاع البيولوجي واتفاقيات الاسلحة السامة والبيولوجية، ادغر داسيلفا، دراسة لليونسكو
تاريخ الاسلحة البيولوجية، أندريه ريتشارد ومارك ميشيل بلوم